الصفحة الرئيسية  رياضة

رياضة مصّاصون للأحلام... بائعون للأوهام !

نشر في  14 ماي 2014  (18:23)

لا شك في أن المواطن التونسي أصبح يعيش وضعا نفسيا حرجا ومُتأزّما نتيجة غلاء المعيشة وتراجع قدرته الشرائية وارتفاع الأسعار فضلا عن المستقبل الغامض الذي ينتظره في ظلّ وضع قاتم وتجاذبات سياسية زادت من أوجاعه وكشفت حقيقة الفاعلين في المشهد السياسي ونواياهم المبيّتة و»تكالبهم» على السلطة والنفوذ.. لقد أصبحت كل الوسائل مباحة بالنسبة لهؤلاء الذين يرفعون شعار «كل الطرق تُؤدّي إلى روما» لتحقيق غاياتهم حتّى ولو كان ذلك على حساب الوطن والمواطنين.
هؤلاء المواطنون أو لنقل عددا لا يستهان به منهم راحوا يبحثون عن كل وسيلة كفيلة بأن تُبعدهم عن واقعهم المرير وتُنسيهم همومهم ومشاكلهم ومعاناتهم اليومية، فارتفع نتيجة لذلك عدد المدمنين على الكحول والمخدرات والزطلة التي طالت الصغير والكبير، العاطل عن العمل والموظف، الطالب والتلميذ وارتفعت معها مظاهر أخرى لا تقلّ خطورة، لتتجلّى الأزمة النفسية التي سقطت في دوامتها، طائفة كبيرة من الناس حسب ما أكدته بعض الدراسات التي أجريت في الغرض على غرار الدراسة الصادرة عن جامعة «كوينز لاند» الأسترالية حول الشعوب الأكثر اكتئاباً في العالم والتي أشارت إلى أنّ التونسيين يحتلون مرتبة متقدمة في هذا الشأن إلى جانب بعض الشعوب العربية والإفريقية الأخرى. وأشارت الدراسة ذاتها إلى أن عدد التونسيين المصابين بالاكتئاب تجاوز 7%، وهي من أعلى النسب التي رصدتها. كما كشفت أن عدد المترددين على مستشفى الرازي للأمراض العقلية قفز من 120 في 2010، إلى أكثر من 184 ألف شخص في 2012.
من جهة أخرى كشفت الأرقام عن ارتفاع حالات الانتحار في تونس إذ بلغت منذ جانفي 2011 الى الأشهر الأخيرة من السنة نفسها 405 حالة، في حين بلغت خلال عام 2012 ما يعادل 221 منها 184 حالة أدّت إلى الوفاة خلال الأشهر التسعة الأولى من تلك السنة، أي بمعدل 19 حالة وفاة شهريا مقابل 20 محاولة انتحار.. وتفيد الاحصائيات أن 53٪ من المقبلين على الانتحار هم من الشباب.
بالتوازي مع ذلك أصبح البحث عن الربح السّهل والسّريع هدفا لعدد هام من الناس حيث ارتفعت نسبة الإقبال على القمار والرهان الرياضي وتعددت معها مسابقات القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية وبات الجميع يحلم بالربح الموكول الى الحظ، وصارت الخسارة في الرياضة مرفوضة وأضحى كل فريق منهزم يفتعل دور الضحية الذي هُضم حقّه أو تعرّضه إلى مُؤامرة استهدفته.وهكذا ترسّخت عقلية جديدة تقوم على مبدأ الكسب بحلالك وحرامك، وانتشر بائعوا الآحلام في كل مكان يعدون الناس بالثروة والمال من خلال تسويق الأوهام بصور متشاكلة
لتقديمها للكبار والصغار على حد سواء.. ولقد ساهم ذلك في سقوط قيم العمل والجد والمثابرة وفي ارتفاع وتيرة الأحلام والأوهام ولعلّ ما حصل لضحايا شركة يسر للتنمية التي حكم على صاحبها بالسجن لمدة 32 عاما وذلك بعد اتهامه في أكثر من 30 قضية من أجل التحيل لدليل على العقلية التي أصبح يفكر بها العديد من التونسيين الذين دفعهم حب الكسب السهل والسريع إلى بيع أرزاقهم وممتلكاتهم ورهن منازلهم ورواتبهم رغم أن العقل لا يمكن أن يقتنع بأن هناك شركة في العالم تُعطيها مائة مليون -مثلا- فتُعيد إليك ضعفها بعد أربعة أسابيع.
وهنا أريد أن أطرح بعض الأسئلة:
كيف ُينتظر منا بناء مجتمع المعرفة والتطور والتقدم، ومجهضو الأحلام وبائعو الأوهام يشجعون شبابنا وأبناءنا على الكسل والربح السّهل السّريع؟ كيف تريدوننا أن ننهض من جديد ونلحق بركب الحضارة، وشيوخ الفتنة يستغلون المنابر في المساجد لتشجيع الشباب على ما يسمى بالجهاد في سوريا؟ ماذا تنتظرون من سياسيين همّهم الأكبر مصالحهم الحزبية الضيقة، وآخر اهتماماتهم إقتصاد البلاد وأمنها واستقرارها؟ كيف يمكن الحديث عن القيم الرفيعة وبعض القنوات تفتح أبوابها أمام الفاشلين «والمتثورجين»والسطحيين وحتى التافهين، الذين يطلّون علينا بنظرياتهم وأطروحاتهم التي تدور حول الجنس والزواج العرفي وتعدد الزوجات وكأن مشاكل الشعب منحصرة في «نصفه الأسفل».. هم يحاولون إلهاءنا بقضايا تافهة يكثر حولها الجدل، ويحتدم فيها النقاش؟! و«حلّ الصّرة تلقى خيط».
لقد باتت الشهرة في متناول كل من هب ودب وأضحت هدفاً في حد ذاتها وبطريقة فاضحة، غابت الجدية وأصبح الناس يعيشون بفكر خرافي وأصبحت بعض الإذاعات التي انتشرت كما الفقاقيع بعد الثورة، وبعض القنوات والبرامج توهمنا بأن مستقبلنا يكمن في ضربة حظ أو رسالة جوال قد تفتح أبواب السعادة والثراء على مصراعيها وكل ما في الأمر اسبلاه وضحك على الذقون، إلى جانب أطراف و»شخصيات» سياسية تُدمغنا هي أيضا بمواقفها وتنطيراتها بغباء يُؤكد إفلاسها وفشلها ومحدودية تفكيرها.

بقلم: عادل بوهلال